العشاء الأخير

مسرحية باللهجة الدارجة تتكوّن من 7 فصول

 

الشخصيّات

 

1- فاضل: في العقد الخامس يبدو أصغر. أنيق. صاحب أملاك. غني. مُتصاب. زوج هاجر. أب لطفلين. مَثَليّ..

2- نُوري: مُطلق. روائيّ مُحبط. عامل ببار في نزل الفاضل. راقص منذ الطفولة. علاقته بفاضل مشبوهة.

3- هاجر: زوجة فاضل. مستواها جامعي. فقيرة المنشأ. أمّ. محرومة عاطفيّا. حالمة. مجروحة. سنّها بين الثلاثين والأربعين.

4- ضُحى: طالبة في معهد الفنون الجميلة. حبيبة الشاعر. عشيقة فاضل..

5- العازف: شاعر. لا يظهر إلاّ من وراء الشاشة (طيف).

6- مجموعة الراقصين: عددهم أربعة يُكوّنون "البالي".

 

المشهد الثّاني

 صالة الفندق ...                               

البيرو ...                       

قاعة الاستقبال...

يكشف الضوء عن عمق المسرح ما بين الشاشتين حيث يَجلس الفاضل صاحب الفندق... يبدو الفاضل منشغلا ببعض الأوراق والفواتير وإضاءة الأباجورة وإطفائها... وإشعالها ثانية... يشعل السيجار... ينادي النوري.

الفاضل : يا نوري ... فينك؟

يعود الفاضل إلى تفحص الأوراق. يظهر نوري جالسا على المدرج بجانب الكونتوار... يستجيب لنداء الفاضل مظهرا لا مبالاته وضجره.

نوري : أف ... أف

الفاضل : نحب نحب... روحي نحس فيها مصدّدة... فادد... نتمنّى روحي قلبين ولا ثلاثة ولا أربعة... شبيه ربي ياخي ما عطاناش برشة قلوب...

يحدث نفسه...

الفاضل : محسوب آش باش نعمل بينهم... عمري لكلو عديتو نبيع في الريح للمراكب... كان عندي حلم... ومات ...

نوري : حتى آنا... حتى آنا... كان عندي حلم... ومات...

فاضل : عبيلي الكاس ... وايجا أقعد بحذايا ...

يملأ الكأس يتجه إليه و يجلس قُربه...

 الدنيا هذي ما فيها شي يدفي كان أنت... شبيك جيت؟

نوري : ماو قتلي ايجا...

فاضل : شبيك جيت... راجل. شبيه ربي ما خلقكش مرا... وكان جيت مرا رانا ارتحنا.

يحدث نفسه بصوت عالٍ.

 الخوف قتلني... ديما وأنا ساكت. الحجرة وليت نحب نكلمها... العصافر في سقيفتنا القديمة فددتهم بحكاياتي الحزينة... ما بقالي حتى شي نحلم بيه.

نوري : وأنا عرفي وأنا لشكون تخليني؟

يلتفت إليه..

الفاضل : أنتِ لاصق فيّ... عشت معايا ملي كانت الدنيا دنيا والزمان زمان... شاركتني ليلي ونهاري... عمري ماتخيلتك كيفي... هزيتك معايا لمرتي... هزيتك معايا لصاحباتي... رسمتلك خمسين صورة وصورة... لكلهم كنت فيهم حاجة أخرى غيري... نحب نقلك حقيقتك اليوم...

أثناء المحاورة يتودد إليه...  يريد لمسه ويترك السيجار جانبا...

نوري : علاش اليوم ؟

يتحرك الفاضل... يدور. يكلم نوري من الخلف. يقترب من أذنه...

يتحرك نوري مبتعدا بتغنج متظاهرا بالتمنع...

الفاضل : اليوم قررت نواجه الدنيا ونرتاح... عمري لكلو ضاع... الماضي تسرسب بين صوابعي كي حبات الرملة... والريح مجنونة... شعرها لف صوابعي بسوادو... حتى لكلام أسواد... فديت م التمثيل. اليوم... اليوم.. نرتاح !

نوري : يدور الفاضل حول نوري من جهة البيرو المقابلة... نوري لا يتكلم... ويتكلم الفاضل في شبه مناجاة...

فاضل : وكان جيت شاعر... راني حررت روحي... بحمامة طايرة في بر بعيد... بنجمة منسية في حزام طفلة صغيرة خارجة م الحمام... بكتاب نكتبو ويقراه الناس... أما نكتبو آنا بالحق... بدمعة نراها تخرج من عيون حزينة ...

يدور إلى جهة الأباجورة... يطفؤها... يأخذ السيجار... يدخنه بحسرة... تتصاعد نفثات الدخان مختلطة مع المساقط الضوئيّة للمسرح... يملأ كأسه و يبدو متلذذا بالشراب...

وكان جيت عازف أعمى... كي نمد صوابعي تطوال... يوصل صداها بعيد... كي نمس حجرة تطرى... كي نمس شجرة يتفك في ايدي حزامها وتتحل...

صوت / موسيقى

نوري يقترب من البيرو... يرفع بعض الفواتير يلوح بها إلى جهة الفاضل... ثم يرميها على المكتب بقوة ...

نوري : حلمي آنا... مات ! جثتو نعرفها فين... في أعماقي... في جواجيّ... مانيش حزين... تعدّى وقت الحزن... حتى شي ما عاد يحررني... وكي نتحرر... منين نجيب عمر باش نعيش... أما أنت يا عرفي... ظاهر فيك مازلت تحلم...

يعود الفاضل للمكتب... يجلس بهدوء... يفتح الأباجورة المطفأة... يعيد النظر بفتور في الفواتير دون أن يرفع رأسه...

فاضل : الليلة نتحرر منها... الليلة نطير... نولّي عصفور صغير... ندق مسمار في الهواء... ونعلق أيامي المبلولة في حبال الرّيح باش تشيح... نتصوّر روحي أنظف في قلبي م الخرافات الفارغة... نتصوّر روحي نحك في حجر الشوارع الخلفيّة المصبوغة بالدم ونشطح...

صوت موسيقى راقصة مهيأة لأغنية سوف يقع بثها موازية لرقصة نوري... يغيّر فاضل جلسته على الكرسيّ ويبدو متيقظا... وتمتدّ يدُه إلى قارورة الشراب... يشرب... نوري يتهيأ لأداء رقصة... يرقص... رقصة تحرر وغنج... لإثارة الفاضل على أنغام أغنية.

عشت معاك حياتي الكلْ

عشت الورد وعشت الفُل

لكن توّة نسيت حبّي

وضيعت لشواق الكلّ

*

عشت معاك حياة طويلة

حياة صعيبة حياة جميلة

لكن توّة نسيت قلبي

وخليت الياسمين ذبل

*

كنا نحلم نصنع عالم

أحلى فيها الوقت الظّالم

لكن توّة إنت تغيّرت

ونسيت حكايا تي الكلّ

*

نتذكّر كي كنت معايا

كنت إنتِ أحلى غْنايا

نتذكّرها آية آية

لتوّة نتذكّرها الكلْ

*

عوّد قلبي بالغرام

وامنح إحْساسي السّلام

وسمّعني أحلى كلام

أنا محتاج لأملْ

*

عشت معاك حكاية زينة

مرة فرحة ومرة حزينهْ

لكن توّة أنت بعدت

وما حبّيت حتّى حلْ.

فاضل يتابع عمليّة الشرب...نوري يرقص بتأثّر...فاضل في حالة انتشاء قصوى... يصفق بعد الأغنية ...يرفع الكأس ويناغيه...

فاضل : في الكأس نرى روحي طاير... نحس في أعماقي شجرة خضراء منورة مليانة بالرمان الشايح... نحس في روحي معلق... نصفي طاير... ونصفي حاط.. مسكون بالنسيان... روحي باردة... وقلبي بارد... المرا هذي نحب نطلقها ونرتاح... يمكن وقتها كي نطلقها نحبها ونرتاح..

يقترب نوري من الفاضل... يلمسه من كتفيه...

باردة الدنيا... اللوح بارد... الكرسي بارد... الكاس بارد... زيد صب لي الثلج في كاسي... نحس بسما أخرى خير من سمايا هذي... وفكرة أخرى خير من أفكاري هذي... ونحب نتحرّر منها... ومنك أنت...

يبتعد نُوري...

ومن روحي !

نوري : في نفسه

كان ثمّة واحد يلزم يتحرر م الآخر  راهو آنا...

ويتوجّه للفاضل...

خليني نحضر الحفلة... قريب يجيوْ... مرتك القديمة... إلّي باش تولّي قديمة... وأشكون قتلي آخر؟

يدور حول نوري... يضع يديه على كتفي نوري... من خلف... فيمسك نوري يد الفاضل اليسرى... ويتكلّم الفاضل..

الفاضل : المرا لخرى... إلي باش نطلقها بعد هذي... يلزمني نأخذها ونطلقها... ع الأقل نحس في روحي نعمل في حاجة...

يضحك... يضحكان...

إظلام